تأثير المشاهير- بين تضخيم الذات و وعي الجمهور النقدي.

المؤلف: أحمد الجميعة11.14.2025
تأثير المشاهير- بين تضخيم الذات و وعي الجمهور النقدي.

إن الآراء الشخصية التي يتبناها المشاهير والشخصيات المؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي، لا تعكس بالضرورة الحقيقة المطلقة أو الواقع كما هو، ولا تمثل بالضرورة نقداً بناءً يهدف إلى التطوير والارتقاء. بل غالباً ما تكون مجرد محتوى يهدف إلى جذب المزيد من المتابعين، وتعزيز الذات، وإرضاء الغرور، أو إثارة الجدل بقصص قد لا تستحق كل هذا الاهتمام والتفاعل الهائل.

عندما يشارك أحد المشاهير قصة أو موقفاً شخصياً حدث له في منزله أو مكان عمله أو في مكان عام، فإنه في الواقع يقيس مدى تأثيره على الجمهور، ويسوق نفسه أمام المعلنين والجهات الإعلامية. والأمر الأكثر خطورة هو عندما يتحول المشهور إلى أداة لتنفيذ أجندات خفية، بهدف التشهير والإساءة المباشرة أو غير المباشرة إلى أفراد أو مجتمعات أو مؤسسات رسمية، طمعاً في التقرب من دوائر النفوذ.

الأمر الجوهري في هذا السياق هو موقف الجمهور تجاه محتوى المشاهير. فغالباً ما تتخذ ردود أفعال الجمهور مسارات متنوعة، تبدأ بالتعرض الانتقائي للمحتوى، ثم الوعي بمضمونه، مروراً بمستوى الاهتمام والتقييم، وصولاً إلى تبني الأفكار والمواقف. هذا التبني الأخير يؤدي إلى حالة من التبعية النفسية لدى شريحة من الجمهور، حيث يتقبلون المحتوى المقدم بإعجاب ويتبنون خيارات وآراء المشهور، وكأنه يمثلهم أو يعيش واقعهم.

لقد أصبح المشاهير والشخصيات المؤثرة جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، والتعرض لمحتواهم أصبح متراكماً على المدى القصير. ونتيجة لذلك، أصبح المجتمع التفاعلي أسيراً إلى حد كبير لما يقدمه هؤلاء المشاهير، وخاصةً أولئك الذين يسيطرون على المشهد العام ويشكلون الرأي العام.

تشهد حسابات التواصل الاجتماعي اليوم ازدحاماً هائلاً بالمشاهير، لدرجة أن السعي المحموم وراء الشهرة أصبح مقلقاً، حتى بين صغار السن. ومما زاد الطين بلة هو سماح بعض الأسر لأبنائهم بسلوك هذا الطريق بحثاً عن المكاسب المادية في المقام الأول. ولكن الملاحظ هو أنه كلما ازداد عدد المشاهير، ازداد وعي المجتمع بما يقدمونه، مما أدى إلى انقسام حاد ليس فقط بين المحتوى الراقي والمحتوى الهابط، ولكن أيضاً بين المؤيدين والمعارضين. هذا الانقسام جعل ردود الفعل تتوقف عند مرحلة الوعي الجماهيري المتزايد، ولم تعد المراحل الأخرى (الاهتمام والتقييم والتبني) متاحة لجميع المشاهير.

خير مثال على ذلك هو الفنان عبد الله بالخير، الذي ظهر في مقطع فيديو يزعم فيه منعه من زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي. وعلى الرغم من أنه لم يكن يحمل تصريحاً وفقاً للإجراءات النظامية، إلا أن المسؤولين اقترحوا عليه التسجيل في التطبيق والتوجه إلى مركز "عناية" لتقديم المساعدة اللازمة، لكنه رفض ذلك بحجة أنه شخصية مشهورة، متناسياً أن النظام يسري على الجميع. حاول بالخير أن يمرر من خلال محتواه إساءة إلى هذا النظام الذي لا يستثني أحداً، لكنه اصطدم بموجة عارمة من الانتقادات من الجمهور الواعي، ليس فقط من المملكة العربية السعودية، بل من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي.

الدرس الذي يجب أن يستوعبه كل مشهور في عالمنا اليوم هو أن الجمهور أصبح أكثر وعياً وإدراكاً، وأنه ليس من السهل تمرير أي رسالة تتعارض مع الواقع. وإذا حاول المشهور ذلك، فسوف ينبذه الجميع ويتحول محتواه إلى مادة للسخرية والاستهزاء!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة